الثلاثاء، 24 مايو 2011

في الثقافة

مفهوم الثقافة التاريخية

إذا أردنا أن نصدر حكما على مدى رقى وتقدم أي مجتمع من المجتمعات فعلينا أن نرى أولاً مدى حرص هذا المجتمع على الاهتمام بتاريخه وكذلك مدى صدق المنهج في عرض هذا التاريخ قديماً أو حديثاً، ذلك لأن الثقافة التاريخية التي يستوعبها الطلاب في أي مجتمع من المجتمعات تساهم وبشكل واضح في تشكيل شخصية هؤلاء الطلاب وكذلك في تكوين التوجهات المختلفة سواء منها السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وبالإضافة إلى تأثيرها على الجانب الخلقي وما يحتويه من قيم واتجاهات وميول ، ولعل ما سبق يشير إلى خطورة ما يقدم من الثقافة التاريخية لأجيالنا وهذا ما يدفعنا إلى أن نقف لنرى مدى صحة ما يقدم من معلومات تاريخية ضمن مناهج المراحل الدراسية المختلفة وكذلك الموضوعات التي يتم تناولها ومدى مناسبتها للطلاب بالإضافة إلى أراء الطلاب والمعلمون وكذلك أولياء الأمور وكذا المتخصصين في مجال المناهج ومجال التاريخ نفسه.

وترجع أهمية الثقافة التاريخية إلى أننا نعيش اليوم في مجتمع طرأت عليه تطورات اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية كثيرة ،واقتحمته تيارات ثقافية متباينة ،فأدت إلى انفصام اجتماعي وثقافي خطير -ولاسيما بين فئات الشباب – لهذا فان الحاجة ماسة إلى وجود ثقافة تاريخية تساهم في تأصيل الانتماء لله ثم للوطن لدى هذا الجيل من الشباب.
ويذكر "فكرى ريان" أن الثقافة التاريخية لا تعنى حفظ المتعلم للمعلومات والحقائق التاريخية بقدر ما تعنى إلمام المتعلم بقدر من التعميمات التاريخية والتي تتحول بدورها إلى دروس مستفادة تجعل المتعلم قادرا على مواجهة القضايا المختلفة ومحاولة تفسيرها بصورة منطقية تتسم بالوعي.
و يشير " مصطفى رجب " " وفيصل الراوي " إلى أن المقصود بالثقافة التاريخية " ما يتمتع به الطلاب في المراحل الدراسية المختلفة من معرفة في النواحي التاريخية المختلفة وتاريخ قديم – ووسط – وحديث".

بينما يذكر محمد عمارة أن المقصود بالثقافة التاريخية" يتمثل في وعى الإنسان بالقضايا والأحداث التاريخية سواء أكانت تلك الأحداث أو القضايا قد حدثت في الماضي أم في الحاضر ، مع إمكانية التنبؤ بالمستقبل في ضوء وعيه وفهمه لتلك الأحداث والقضايا".

وليس المقصود بالثقافة التاريخية مجرد الإلمام بمجموعة من المعارف والحقائق والمفاهيم التاريخية وفقط ،وإنما المقصود - حينما نقدم تلك الحقائق والمفاهيم والأحداث التاريخية –أن نصطنع الأسلوب الذي يجعلها تترجم إلى مهارات واتجاهات إيجابية، بل وتتحول إلى دروس مستفادة في حياة المتعلم، مما يؤدى إلى تكامل شخصيته .

ويذكر" سعيد إسماعيل على " أن المقصود بالثقافة التاريخية "مستوى معين من المعارف والمعلومات والمفاهيم والحقائق والمهارات والقيم والاتجاهات التاريخية التي يلزم أن يمتلكها الإنسان حتى يتسنى له التعامل مع القضايا والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجهه بأسلوب يتسم بالوعي " ( * )

إن الإنسان المثقف تاريخيا يمكن وصفه بأنه ذلك الشخص الذي يمتلك صورة شاملة عن بنية التاريخ من معلومات واتجاهات وتعميمات ونظريات ومهارات واتجاهات تساعده على الفهم والتفسير لكل ما يتصل بهذا المجال ،كذلك يمكن وصف الشخص المثقف تاريخيا بأنه القادر على نقل المفاهيم التاريخية إلى مستوي التطبيق في الحياة اليومية ،بل ويصبح قادرا على التخطيط واختزال المعرفة، وعلى هذا لا يكون حفظ المعارف واستيعابها ونقلها إلى العقول هي الغاية المرجوة وإنما قدرة الطلاب على استخدام المعرفة التاريخية وتطبيقها في الحياة اليومية.


ولقد اتضح لنا من خلال استعراض التعريفات السابقة للثقافة التاريخية ما يلي:

- أنها تجمع على أن أساس الثقافة التاريخية يتمثل في وجود قدر كافي من المعرفة التاريخية لدى الإنسان ( الحقائق –المعلومات –المفاهيم –التعميمات) يعد ذلك بمثابة البعد المعرفي للثقافة التاريخية.


- إن المعرفة التاريخية وحدها لا تكفى لأن يكون الإنسان مثقفا تاريخيا بل لابد من وجود وعى لدى الإنسان ، ونقصد بهذا الوعي الفهم القائم على أساس امتلاكه لمجموعة من المهارات التي تمكنه من الربط والتحليل والنقد والقدرة على ترتيب الفكر للحكم على قضية معينة أو أحداث تاريخية وقعت في الماضي أو في الحاضر ،ويعد ذلك بمثابة البعد المهاري للثقافة التاريخية.

- إن وجود المعارف التاريخية وامتلاك مهارات البحث التاريخي لا يمكن أن يتملكهما الإنسان إلا إذا كان لديه ميل إلى قراءة التاريخ وبالتالي اتجاه إيجابي نحو دراسته ،مما ينعكس على تمثله للقيم الخلقية والاجتماعية اللازمة ،ويعد ذلك بمثابة البعد الوجداني للثقافة التاريخية.


ومن سمات الإنسان المثقف تاريخيا أن يكون على علم ولو بقدر معقول بمهارات البحث التاريخي والتي تساهم بدورها في جعله قادرا على البحث والتنقيب والنقد والتحليل… الخ

ويمكن القول إن من مميزات الثقافة التاريخية بشكل عام "         أنها وعاءا للفعل الحضاري ،وميدان تنزيل القيم على الواقع ،وذاكرة الأمة ومحل تجربتها وعبرتها ،وهى مخزون غنى يورثه الآباء للأبناء والأحفاد ،ونهر متدفق يتجه من الماضي ،ويمر بالحاضر ،ويصب في المستقبل ،           ولذلك لا غنى عنها لكل العاملين في مجال التربية والتعليم ، والثقافة ،والإعلام ،ولكل رواد الإصلاح لعالم الغد" (47 : 34
ولعل من أبرز ميزات الثقافة التاريخية أنها" توسع اختبار الإنسان وتعمقه ،وان كانت فائدتها ليست عملية مباشرة ،لأن التاريخ لا يعيد نفسه من كل وجه، وكذلك تعد بمثابة سبيل لإدراك الذات ،أفرادا وأمة وإنسانية ،وهذه الثقافة تبعث في النفس اعتزازا بالأجيال الماضية ، من شأنها بناء الفرد والأمة ،وتوطيد كيانهما ، على أن تكون معرفة الذات المؤدية إلى احترام الذات ، وتقدير الماضي ،هي أيضا نقد للذات وللماضي".


وأخيرا فان الثقافة التاريخية" تنمي الحكمة ، التي يولدها عمق الاختبار وسعته،والتي تلح على الإنسان في التساؤل حتى يصل إلى الأعماق والجذور .." إن الإنسان الحي الفاعل صانع التاريخ ،ليس مستقبليا مطلقا ، سائحا في الأحلام .. ولا حضاريا مطلقا، غارقا فيما حوله من مشكلات .. ولا تاريخيا مطلقا ،يحن إلى الماضي ويبغي أن يرجعه كما كان ..وإنما يعيش في توتر دائم بين الحاضر والماضي والمستقبل ، بإدراك متزن صحيح ،وشعور دقيق نافذ ، فيكون من أثر هذا التفاعل العملي ،تاريخي مبدع"

وكذلك فإن الإنسان المثقف تاريخيا يمكن وصفه بأنه ذلك الشخص الذي يكون لديه ميل نحو قراءة الموضوعات التاريخية والتفاعل معها بعقله ووجدانه ،مما يجعله يكون اتجاها إيجابيا نحو
دراسة التاريخ.

المصدر: kiro.forumarabia.co
 *************************************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق