قرأت لكم من مؤلفات طه حسين

الفتنة الكبرى: عثمان 

                                          
هذا حديث أريد إن أخلصه للحق ما وسعي إخلاصه للحق وحده، وان أتحرى فيه الصواب ما استطعت إلى تحري الصواب سبيلا، وان أحمل نفسي فيه على الإنصاف لا أحيد عنه ولا أمالئ فيه حزبا من أحزاب المسلمين على حزب، ولا أشايع فيه فريقا من الذين اختصموا في قضية عثمان دون فريق؛ فلست عثماني الهوى، ولست شيعة لعلي، ولست أفكر في هذه القضية كما كان يفكر فيها الذين عاصروا عثمان واحتملوا معه ثقلها وجنوا معه أو بعده نتائجها.
وأنا اعلم إن الناس ما زالوا ينقسمون في أمر هذه القضية إلى الآن كما كانوا ينقسمون فيها أيام عثمان
رحمه الله، فمنهم العثماني الذي لا يعدل بعثمان أحدا من أصحاب النبي (صلعم) بعد الشيخين، ومنهم الشيعي الذي لا يعدل بعلي رحمه الله بعد النبي أحدا، لا يستثني الشيخين ولا يكاد يرجو لمكانهما وقارا؛ ومنهم من يتردد بين هذا وذاك، يقتصد في عثمانيته شيئا أو يقتصد في تشيعه لعلي شيئا، فيعرف لأصحاب النبي كلهم مكانتهم، ويعرف لأصحاب السابقة منهم سابقتهم، ثم لا يفضل بعد ذلك أحدا منهم على الأخر، يرى أنهم جميعا قد اجتهدوا ونصحوا لله ولرسوله وللإسلام والمسلمين،  فاخطأ منهم من أخطأ وأصاب منهم من أصاب، ولأولئك وهؤلاء أجرهم لأنهم لم يتعمدوا خطيئة ولم يقصدوا إلى إساءة، وكل هؤلاء إنما يرون آراءهم هذه يستمسكون بها ويذودون عنها ويتفانون في سبيلها؛ لأنهم يفكرون في هذه القضية تفكيرا دينيا، يصدرون فيه عن الإيمان، ويبتغون فيه ما يبتغي المؤمن من المحافظة على دينه والاستمساك بيقينه، وابتغاء رضوان الله بكل ما يعمل في ذلك أو يقول.
وانا اريد ان انظر الى هذه القضية نظرة خالصة مجردة، لا تصدر عن عاطفة ولا هوى، ولا تتأثر بالإيمان ولا بالدين، وإنما هي نظرة المؤرخ الذي يجرد نفسه تجريدا كاملا من النزعات والعواطف والأهواء مهما تختلف مظاهرها ومصادرها وغاياتها.

......يتبع