السبت، 25 يونيو 2011

كلمات من ذهب


- إن الدين يبدأ به .. و الفلسفة تنتهي إليه .. و العقل يتوقف عنده .. فلا كيف و لا كم و لا أين و لا متى !! .. و إنما هو .. و لا إله إلا هو.

    د.مصطفى محمود

- الحضارة هي قدرة الإنسان على إقامة علاقة سوية مع ربه، والبشرِ الذين يعيش معهم، وكذلك البيئة بكل ما فيها من ثروات. 

 د.راغب السرجاني

- ما فرط المسلمون في آداب هذا القرآن الكريم إلا منذ فرطوا في لغته, فأصبحوا لا يفهمون كلمه ولا يدركون حكمه ولا ينزعون أخلاقه وشيمه.

الأديب مصطفى صادق الرافعي

- إن لإخلاص المتكلّم تأثيرا عظيما في قوة حجّته وحلول كلامه المحل الأعظم في القلوب والأفهام.

الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي

- ليس الأحمق من عجز عن الفهم، ولكنه من عجز عن احترام آراء الآخرين.

- العقول العظيمة هي التي تواجه الأسئلة القاسية بإنصات جَم. فهي تنصت لتعرف لا لِتُحاجِج.

الكاتب الإماراتي ياسر حارب

- إن تقهقر الأمة الإسلامية فى الأعصار الأخيرة يعود إلى العجز الشائن فى فهم موقف الإسلام الصحيح من المرأة.
وهذا العجز من وراء انتصار المدنية الحديثة وانتشار عُجرها وبُجرها فى آفاق عريضة، والعلاج يقدمه فقهاء أذكياء منصفون، لا متفيهقون متعالمون.


الشيخ محمد الغزالي

- كل لغات الأرض انشغلت اليوم برحيل ستيف جوبز. أترك بصمتك في هذا العالم، ولا تسمح لأحد بتقييد عقلك وخيالك، وسيتغير معنى الموت !

مريد البرغوثي

- ابتعد عن أولئك الذين يستهينون بطموحك .. الصغار يفعلون ذلك دائما، لكن العظيم يجعلك تشعر أن بإمكانك أن تصبح عظيما أيضا ..!

مارك توين

- أي شاعر يجلس إلى نفسه ولايشعر بأنه تافه، فإنه لن يكتب شعرا مهما! أن تحس بأنك لم تكتب شيئا ولم تحقق شيئا، هو الحافز الدائم للكتابة!

محمود درويش

الثلاثاء، 24 مايو 2011

في الثقافة

مفهوم الثقافة التاريخية

إذا أردنا أن نصدر حكما على مدى رقى وتقدم أي مجتمع من المجتمعات فعلينا أن نرى أولاً مدى حرص هذا المجتمع على الاهتمام بتاريخه وكذلك مدى صدق المنهج في عرض هذا التاريخ قديماً أو حديثاً، ذلك لأن الثقافة التاريخية التي يستوعبها الطلاب في أي مجتمع من المجتمعات تساهم وبشكل واضح في تشكيل شخصية هؤلاء الطلاب وكذلك في تكوين التوجهات المختلفة سواء منها السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وبالإضافة إلى تأثيرها على الجانب الخلقي وما يحتويه من قيم واتجاهات وميول ، ولعل ما سبق يشير إلى خطورة ما يقدم من الثقافة التاريخية لأجيالنا وهذا ما يدفعنا إلى أن نقف لنرى مدى صحة ما يقدم من معلومات تاريخية ضمن مناهج المراحل الدراسية المختلفة وكذلك الموضوعات التي يتم تناولها ومدى مناسبتها للطلاب بالإضافة إلى أراء الطلاب والمعلمون وكذلك أولياء الأمور وكذا المتخصصين في مجال المناهج ومجال التاريخ نفسه.

وترجع أهمية الثقافة التاريخية إلى أننا نعيش اليوم في مجتمع طرأت عليه تطورات اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية كثيرة ،واقتحمته تيارات ثقافية متباينة ،فأدت إلى انفصام اجتماعي وثقافي خطير -ولاسيما بين فئات الشباب – لهذا فان الحاجة ماسة إلى وجود ثقافة تاريخية تساهم في تأصيل الانتماء لله ثم للوطن لدى هذا الجيل من الشباب.
ويذكر "فكرى ريان" أن الثقافة التاريخية لا تعنى حفظ المتعلم للمعلومات والحقائق التاريخية بقدر ما تعنى إلمام المتعلم بقدر من التعميمات التاريخية والتي تتحول بدورها إلى دروس مستفادة تجعل المتعلم قادرا على مواجهة القضايا المختلفة ومحاولة تفسيرها بصورة منطقية تتسم بالوعي.
و يشير " مصطفى رجب " " وفيصل الراوي " إلى أن المقصود بالثقافة التاريخية " ما يتمتع به الطلاب في المراحل الدراسية المختلفة من معرفة في النواحي التاريخية المختلفة وتاريخ قديم – ووسط – وحديث".

بينما يذكر محمد عمارة أن المقصود بالثقافة التاريخية" يتمثل في وعى الإنسان بالقضايا والأحداث التاريخية سواء أكانت تلك الأحداث أو القضايا قد حدثت في الماضي أم في الحاضر ، مع إمكانية التنبؤ بالمستقبل في ضوء وعيه وفهمه لتلك الأحداث والقضايا".

وليس المقصود بالثقافة التاريخية مجرد الإلمام بمجموعة من المعارف والحقائق والمفاهيم التاريخية وفقط ،وإنما المقصود - حينما نقدم تلك الحقائق والمفاهيم والأحداث التاريخية –أن نصطنع الأسلوب الذي يجعلها تترجم إلى مهارات واتجاهات إيجابية، بل وتتحول إلى دروس مستفادة في حياة المتعلم، مما يؤدى إلى تكامل شخصيته .

ويذكر" سعيد إسماعيل على " أن المقصود بالثقافة التاريخية "مستوى معين من المعارف والمعلومات والمفاهيم والحقائق والمهارات والقيم والاتجاهات التاريخية التي يلزم أن يمتلكها الإنسان حتى يتسنى له التعامل مع القضايا والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجهه بأسلوب يتسم بالوعي " ( * )

إن الإنسان المثقف تاريخيا يمكن وصفه بأنه ذلك الشخص الذي يمتلك صورة شاملة عن بنية التاريخ من معلومات واتجاهات وتعميمات ونظريات ومهارات واتجاهات تساعده على الفهم والتفسير لكل ما يتصل بهذا المجال ،كذلك يمكن وصف الشخص المثقف تاريخيا بأنه القادر على نقل المفاهيم التاريخية إلى مستوي التطبيق في الحياة اليومية ،بل ويصبح قادرا على التخطيط واختزال المعرفة، وعلى هذا لا يكون حفظ المعارف واستيعابها ونقلها إلى العقول هي الغاية المرجوة وإنما قدرة الطلاب على استخدام المعرفة التاريخية وتطبيقها في الحياة اليومية.


ولقد اتضح لنا من خلال استعراض التعريفات السابقة للثقافة التاريخية ما يلي:

- أنها تجمع على أن أساس الثقافة التاريخية يتمثل في وجود قدر كافي من المعرفة التاريخية لدى الإنسان ( الحقائق –المعلومات –المفاهيم –التعميمات) يعد ذلك بمثابة البعد المعرفي للثقافة التاريخية.


- إن المعرفة التاريخية وحدها لا تكفى لأن يكون الإنسان مثقفا تاريخيا بل لابد من وجود وعى لدى الإنسان ، ونقصد بهذا الوعي الفهم القائم على أساس امتلاكه لمجموعة من المهارات التي تمكنه من الربط والتحليل والنقد والقدرة على ترتيب الفكر للحكم على قضية معينة أو أحداث تاريخية وقعت في الماضي أو في الحاضر ،ويعد ذلك بمثابة البعد المهاري للثقافة التاريخية.

- إن وجود المعارف التاريخية وامتلاك مهارات البحث التاريخي لا يمكن أن يتملكهما الإنسان إلا إذا كان لديه ميل إلى قراءة التاريخ وبالتالي اتجاه إيجابي نحو دراسته ،مما ينعكس على تمثله للقيم الخلقية والاجتماعية اللازمة ،ويعد ذلك بمثابة البعد الوجداني للثقافة التاريخية.


ومن سمات الإنسان المثقف تاريخيا أن يكون على علم ولو بقدر معقول بمهارات البحث التاريخي والتي تساهم بدورها في جعله قادرا على البحث والتنقيب والنقد والتحليل… الخ

ويمكن القول إن من مميزات الثقافة التاريخية بشكل عام "         أنها وعاءا للفعل الحضاري ،وميدان تنزيل القيم على الواقع ،وذاكرة الأمة ومحل تجربتها وعبرتها ،وهى مخزون غنى يورثه الآباء للأبناء والأحفاد ،ونهر متدفق يتجه من الماضي ،ويمر بالحاضر ،ويصب في المستقبل ،           ولذلك لا غنى عنها لكل العاملين في مجال التربية والتعليم ، والثقافة ،والإعلام ،ولكل رواد الإصلاح لعالم الغد" (47 : 34
ولعل من أبرز ميزات الثقافة التاريخية أنها" توسع اختبار الإنسان وتعمقه ،وان كانت فائدتها ليست عملية مباشرة ،لأن التاريخ لا يعيد نفسه من كل وجه، وكذلك تعد بمثابة سبيل لإدراك الذات ،أفرادا وأمة وإنسانية ،وهذه الثقافة تبعث في النفس اعتزازا بالأجيال الماضية ، من شأنها بناء الفرد والأمة ،وتوطيد كيانهما ، على أن تكون معرفة الذات المؤدية إلى احترام الذات ، وتقدير الماضي ،هي أيضا نقد للذات وللماضي".


وأخيرا فان الثقافة التاريخية" تنمي الحكمة ، التي يولدها عمق الاختبار وسعته،والتي تلح على الإنسان في التساؤل حتى يصل إلى الأعماق والجذور .." إن الإنسان الحي الفاعل صانع التاريخ ،ليس مستقبليا مطلقا ، سائحا في الأحلام .. ولا حضاريا مطلقا، غارقا فيما حوله من مشكلات .. ولا تاريخيا مطلقا ،يحن إلى الماضي ويبغي أن يرجعه كما كان ..وإنما يعيش في توتر دائم بين الحاضر والماضي والمستقبل ، بإدراك متزن صحيح ،وشعور دقيق نافذ ، فيكون من أثر هذا التفاعل العملي ،تاريخي مبدع"

وكذلك فإن الإنسان المثقف تاريخيا يمكن وصفه بأنه ذلك الشخص الذي يكون لديه ميل نحو قراءة الموضوعات التاريخية والتفاعل معها بعقله ووجدانه ،مما يجعله يكون اتجاها إيجابيا نحو
دراسة التاريخ.

المصدر: kiro.forumarabia.co
 *************************************

الأربعاء، 11 مايو 2011

مقتطفات للنقاش من كتب ومقالات

هل نقول وداعا لثقافة القراءة؟

د.أحمد أبو زيد (من كتاب "مستقبليات" مجموعة مقالات لنفس الكاتب بمجلة "العربي"- افريل 2010)
                                     
                                        
لماذا تنصرف الأجيال الجديدة عن القراءة، على الرغم من كل ما تنفقه الدول على مشاريع نشر عادة القراءة بين مختلف فئات العمر؟ ومتى بدأ التشاؤم حول ثقافة مستقبل القراءة؟ والى أين ينتهي؟....
.....المسالة هنا ليست مسالة عدد الأفراد الذين يقبلون على القراءة أو ينصرفون عنها بقدر ما هي ميالة تغير النظرة إلى القراءة كمكون أساسي في النسق الثقافي العام الذي يعطي المجتمع شخصيته المميزة، بحيث يمكن وصفه بأنه مجتمع قارئ. يعتبر القراءة عاملا جوهريا في تحقيق ذاته وتحديد ملامحه. وتكون الكتابة اختراعا حديثا نسبيا في تاريخ الجنسي البشري. وان القراءة لم تصبح ظاهرة مميزة للمجتمعات المتقدمة وهدفا مطلوبا لذاته إلا منذ أجيال معدودة فقط، ولكن تحقيق ذلك الهدف أمر صعب للغاية، ويتطلب بذل كثير من الجهد والمثابرة والوعي لدرجة انه لا تزال هناك مجتمعات كثيرة تفتقر إلى وجودها كظاهرة ثقافية واجتماعية راسخة.
ومع ذلك فان القراءة – على ما يقول دان سبربر  Dan SPERBER - ظاهرة وجدت لكي تستمر وتبقى بالرغم من الصعوبات التي تواجهها، وان المردود الاجتماعي والإنساني بل والاقتصادي يبرر كل ما يبذل في تحقيقها من مال وجهد ووقت، وذلك على الرغم من كل الشكوك التي تثور الآن حول مصيرها ومستقبلها في ظل المتغيرات الحديثة. واعتقاد الكثيرين أنها تكاد تصبح من مخلفات الماضي، وانه سوف يأتي اليوم الذي يعكف فيه الانثروبولوجيون  على دراسة الكتب كأحد الرواسب التي تشير إلى ثقافة بائدة في تاريخ التطور البشري وذلك حين ينجح (المتبربرون) المحدثون في الاستيلاء على المكتبات وتحويلها إلى مراكز للمعلومات على ما يقول جورج كور  George COREفي مقال طريف عن "الدوريات ومستقبل القراءة، نشره في مجلة "فرجينيا ريفيو " (صيف 2003).
والواقع أن نبرة التشاؤم حول مستقبل ثقافة القراءة كانت بدأت ترتفع منذ عقود كثيرة بحيث نجد على سبيل المثال أن كاتبة روائية في حجم "فرجينيا وولف" في مقال لها  بعنوان
  How Should one Read a Book نشرته في مجلة عام 1926، " إنه لن يثير دهشتنا بحال أن نكتشف يوم الحساب في العالم الآخر الذي تهتك فيك الأسرار وتنقشع فيه الغيوم عن الأمور الغامضة أن الدافع الحقيقي وراء خروج الإنسان وراء خروج الإنسان من سكن الكهوف ونبذه القوس والسهم وجلوسه للتسامر حول النار وتشييده للبيوت والمجتمعات على الأرض الخراب في كل أنحاء العالم لم يكن سوى الوصول إلى القراءة."
 والإنسان القارئ في رأيها هو الشخص الذي يلتهم كل ما يقع تحت يده من مادة مطبوعة سواء أكانت على غلاف علبة الغذاء أو تذكرة الأوتوبيس أو في صفحات المجلات والكتب و لكن يبدو أن هذا كله في سبيله إلى التراجع، وان ذلك قد يؤدي إلى اختفاء الإنسان المثقف العام.
وما قالته فرجينيا وولف منذ ما يزيد على ثلاثة أرباع القرن، لا يزال يجد له صدى في الكتابات المعاصرة مع ازدياد حدة نبرة التشاؤم. ولقد كان الحرص على اقتناء الكتب في وقت من الأوقات مظهرا من مظاهر الرقي الذهني والاجتماعي ومثارا للزهو والفخر والتباهي   و بخاصة بين العائلات العريقة في كثير من الدول ولا يزال الأمر كذلك إلى حد كبير على الرغم من شحوب المناخ الثقافي الذي كان يسود في تلك العقود.
والمسؤول الرئيسي عن الوضع الحالي هو (الشاشة) سواء أكانت هي شاشة التلفزيون أم شاشة الكمبيوتر أم الشاشة الفضية (السينما).
ويزداد الوضع خطورة في المجتمعات الفقيرة المتخلفة التي تكاد تكون محرومة تماما من وجود أي نظام متماسك للتعليم الصحيح وتفتقر في الوقت ذاته إلى وجود المادة الكافية من النصوص المطبوعة التي تدعو إلى القراءة وذلك على افتراض وجود أعداد مناسبة من المتعلمين الذين تتوافر لديهم الرغبة والقدرة والإرادة للقراءة الحرة البعيدة عن احتياجات الحياة اليومية أو متطلبات العمل الرسمي.
وللكاتب الروائي النيجيري صاحب جائزة نوبل "وول سوينكا"   Wolle SOYINKA  عبارة دقيقة ذات دلالات بعيدة ومغزى عميق يقول فيها انه ينتمي إلى جيل ضائع لأنه جيل يعتقد انه كتب كثيرا ولكنه لا يجد له ما يكفي من القراء. ولقد شهد القرن العشرون جهودا جبارة متواصلة لنشر ثقافة القراءة في كل أنحاء العالم.
(من الصفحة 91 اللى الصفحة 95)
........  
* السؤال المطروح للنقاش: 

          كيف يرى كل منكم  وضع القراءة في مجتمعه أو محيطه؟ وما هو تصوره للطرق الفعالة المحفزة للعودة بالافراد الى الرغبة في القراءة؟ وهل تعتبر الوضعية المادية للفرد مانعا فعليا يحول دون هذا؟

                              ******************

سر العظمة

من كتاب "تحت شمس الفكر" لتوفيق الحكيم

                                             
ينبغي لمن أراد أن يعلم عظمة "محمد" أن يتخيل رجلا وحيدا فقيرا !!تمكنت من قلبه عقيدة، فنظر حوله فإذا الناس كلهم في جانب وإذا هو بمفرده في جانب...هو وحده الذي يدين بدين جديد بينما الدنيا كلها: أهله وعشيرته، وبلده وأمته، والفرس والروم والهند والصين وكل شعوب الأرض، - لا يرون ما يرى، ولا يشعرون له بوجود ...هذا موقف النبي، وهذا موقف العالم.
رجل عاطل من كل قوة وسلاح، إلا مضاء العزيمة وصلابة الإيمان أمام عالم تدعمه قوة العدد والعدة، وتؤازره حرارة عقيدة قديمة شب عليها وورثها عن أسلافه، واتخذت لها في قرارة نفسه وأعماق تاريخية جذورا ليس من السهل اقتلاعها على أول قادم. فالنبي هو ذلك القادم الذي يريد أن يقتلع تلك الجذور، ويضع مكانها غرسا جديدا، والعلم القديم هو ذلك السادن القوي لتلك الشجرة العتيدة، يذود عنها، وتأبى كرامته أن يفرط في ورقة منها !..
إذن هنالك ((مبارزة)) بين فرد أعزل، وبين عصر بأسره يزمجر غضبا، عصر زاخر بأسلحته ورجاله، وعقائده وفقهائه وعلمائه ومشاهيره، وتقاليده وماضيه ومجده وتاريخه...هذه المبارزة الهائلة العجيبة، من يستطيع أن يقدم عليها غير نبي؟ !...على أن المعجزة بعد ذلك ليست في مجرد التحدي، ورمي ((القفاز)) وارتفاع ذلك الصوت الضعيف على شاطئ ذلك البحر الطامي العجاج: ((أن أترك أيها العالم دينك القديم واتبعني !..))
ذلك الصوت لا جواب عليه إلا سخرية طويلة وقهقهة عريضة، وليست المعجزة كذلك في مجرد شفاء الأصم وإبراء الأعمى، وإنما المعجزة حقيقة هي أن يخرج هذا الرجل الوحيد الأعزل من هذه المعركة المخيفة ظافرا منتصرا، فإذا هذا العالم العتيد كله يجثو عند قدميه منكس الأسلحة، وقد انقلبت سخريته خشوعا طويلا، وقهقهته صلاة عميقة !...
كيف ربح هذا الرجل الموقعة؟...ما وسائله؟...هل كانت له خطط وأساليب وقوة من شخصه مكنته من النصر؟...أو أن الله هو الذي نصره، دون أن يكون لشخصية النبي دخل في الانتصار؟...عقيدتي دائما أن شخصية النبي لها اثر كبير !!..
وهذا معنى الاصطفاء، فالله يختار من بين البشر عظيما له كاهل قوي يحتمل عبء الرسالة. ويوحي إليه بالعقيدة ثم يتركه يجاهد في سبيلها، فالنبي ليس آلة تحركها يد الله في كل خطوة، إنما هو رسول عهد إليه تبليغ دين، والعمل على إذاعته بين الناس بالوسائل التي يراها الرسول كفيلة ببلوغ الغاية، فالله لا يريد نشر الأديان للبشر إلا بالوسائل البشرية...انه لا يتدخل بقدرته العلوية، فيفرض الدين فرضا على الناس كما تفرض عليهم الزوابع والأمطار ولكنه يحب دائما أن يخلي بين ((الدين)) وبين ((الناس))، حتى يتغلغل الدين من تلقاء نفسه في نفوسهم بجمال نوره وحده، ولكن أعين الناس لا ترى كل الأحيان، فهم يعيشون في أعماق ماضيهم كالأسماك العمياء في أغوار المحيطات !..

...يتبع