عند ملتقى الأفكار

العديد من مضامين المؤلفات يعالج مواضيع أو أفكارمشتركة. إلا أن كل مؤلف وباحث له نظرته واعتقاده حولها وينطلق في طرحه للفكرة من زاوية مختلفة عن تلك التي ينطلق منها الآخر.
وكثيرا ما أستمتع بالمقارنة بين مضامين المؤلفات التي تعالج نفس الموضوع فأحلل مقاطع من هذا الكتاب وذاك وأعمل من خلال المقارنة السطحية أو اللفظية على استنباط رؤية كل كاتب على حدة ومحاولة فهم المغزى مما عرضه........

ولقد خصصت هذه الصفحة لهذا الغرض. واخترت كبداية لها عرض مقاطع من مؤلفات عالجت موضوع الايمان والالحاد من منظور فلسفي و أدبي:
       - بين مؤلف "حوار مع صديقي الملحد" للدكتور مصطفى محمود
و     - " الاسلام بين الشرق والغرب" للرئيس البوسني الراحل علي عزت بيكوفيتش
و     - "أرني الله" لتوفيق الحكيم
و     - .........

ما هو متاح نقله للقراء اليوم، مقاطع من:

      المؤلفات الثلاثة الأولى؛ "حوار مع صديقي الملحد" و "الاسلام بين الشرق والغرب" و "أرني الله". وأترك لمن يشاركني نفس الهواية التمتع بالتحليل والمقارنة...ومن ثم إبداء الرأي الشخصي. ليس المطلوب هاهنا الاقتناع من عدمه بالالحاد ام بالايمان .....الهدف هو الغوص في اعماق الافكار الى تأمل اختلاف عرض الفكرة مع اختلاف الصورة ومجال التحليل والأسلوب.....

فقرات من كتاب: "حوار مع صديقي الملحد"
إذا كان الله قدَّر عليّ أفعالي فلماذا يحاسبني؟

قال صديقي في شماتة وقد تصوّر أنه أمسكني من عنقي وأنه لا مهرب لي هذه المرة: أنتم تقولون إن الله يُجري آل شيء في مملكته بقضاء وقدر، وإن الله قدَّر علينا أفعالنا ، فإذا كان هذا هو حالي ، وأن أفعالي كلها مقدّرة عنده فلماذا يحاسبني عليها ؟
لا تقل لي كعادتك .. أنا مخيَّر .. فليس هناك فرية أكبر من هذه الفرية ودعني أسألك:
هل خُيّرتُ في ميلادي وجنسي وطولي وعرضي ولوني ووطني ؟ هل باختياري تشرق الشمس ويغرب القمر ؟هل باختياري ينزل عليَّ القضاء ويفاجئني الموت وأقع في المأساة فلا أجد مخرجاً إلا الجريمة..
لماذا يُكرهني الله على فعل ثم يؤاخذني عليه ؟ وإذا قلت إنك حر ، وإن لك مشيئة إلى جوار مشيئة الله ألا تشرك بهذا الكلام وتقع في القول بتعدد المشيئات ؟
ثم ما قولك في حكم البيئة والظروف ، وفي الحتميات التي يقول بها الماديون التاريخيون ؟

أطلق صاحبي هذه الرصاصات ثم راح يتنفس الصعداء في راحة وقد تصوَّر أني توفيت وانتهيت ، ولم يبق أمامه إلا استحضار الكفن.
قلت له في هدوء:أنت واقع في عدة مغالطات .. فأفعالك معلومة عند الله في كتابه ، ولكنها ليست مقدورة عليك بالإكراه .. إنها مقدَّرة في علمه فقط .. كما تقدِّر أنت بعلمك أن ابنك سوف يزني .. ثم يحدث أن يزني بالفعل .. فهل أكرهته .. أو كان هذا تقديراً في العلم وقد أصاب علمك..
أما آلامك عن الحرية بأنها فرية ، وتدليلك على ذلك بأنك لم تخيَّرفي ميلادك ولا في جنسك ولا في طولك ولا في لونك ولا في موطنك ، وأنك لا تملك نقل الشمس من مكانها .. هو تخليط آخر..وسبب التخليط هذه المرة أنك تتصوَّر الحرية بالطريقة غير تلك التي نتصورها نحن المؤمنين..أنت تتكلم عن حرية مطلقة .. فتقول .. أكنت أستطيع أن أخلق نفسي أبيض أو أسود أو طويلا أو قصيراً .. هل بإمكاني أن أنقل الشمس من مكانها أو أوقفها في مدارها .. أين حريتي؟.....                                         
ونحن نقول له : أنت تسأل عن حرية مطلقة .. حرية التصرف في الكون وهذه ملك لله وحده .. نحن أيضاً لا نقول بهذه الحرية { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا آَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } 68 سورة القصص. ليس لأحد الخيرة في مسألة الخلق ، لأن الله هو الذي يخلق ما يشاء ويختار..
ولن يحاسبك الله على قِصَرك ولن يعاتبك على طولك ولن يعاقبك لأنك لم توقف الشمس في مدارها،ولكن مجال المساءلة هو مجال التكليف .. وأنت في هذا المجال حر .. وهذه هي الحدود التي نتكلم فيها..أنت حر في أن تقمع شهوتك وتلجم غضبك وتقاوم نفسك وتزجر نياتك الشريرة وتشجع ميولك الخيرة..
أنت تستطيع أن تجود بمالك ونفسك..
أنت تستطيع أن تصدق وأن تكذب..
وتستطيع أن تكف يدك عن المال الحرام ..وتستطيع أن تكف بصرك عن عورات الآخرين..
وتستطيع أن تمسك لسانك عن السباب والغيبة والنميمة..
في هذا المجال نحن أحرار..وفي هذا المجال نُحاسَب ونُسأل..

الحرية التي يدور حولها البحث هي الحرية النسبية وليست الحرية المطلقة حرية الإنسان في مجال التكليف..وهذه الحرية حقيقة ودليلنا عليها هو شعورنا الفطري بها في داخلنا فنحن نشعر بالمسئولية وبالندم على الخطأ ، وبالراحة للعمل الطيب .. ونحن نشعر في آل لحظة أننا نختار ونوازن بين احتمالات متعددة ، بل إن وظيفة عقلنا الأولى هي الترجيح والاختيار بين البديلات..
ونحن نفرق بشكل واضح وحاسم بين يدنا وهي ترتعش بالحمى ، ويدنا وهي تكتب خطاباً .. فنقول إن حركة الأولى جبرية قهرية ، والحركة الثانية حرة اختيارية .. ولو آنا مسيرين في الحالتين لما استطعنا التفرقة..
ويؤكد هذه الحرية ما نشعر به من استحالة إكراه القلب على شيء لا يرضاه تحت أي ضغط .. فيمكنك أن تُكره امرأة بالتهديد والضرب على أن تخلع ثيابها .. ولكنك لا تستطيع بأي ضغط أو تهديد أن تجعلها تحبك من قلبها ومعنى هذا أن الله أعتق قلوبنا من آل صنوف الإكراه والإجبار ، وأنه فطرها حرة..
ولهذا جعل الله القلب والنية عمدة الأحكام ، فالمؤمن الذي ينطق بعبارة الشرك والكفر تحت التهديد والتعذيب لا يحاسب على ذلك طالما أن قلبه من الداخل مطمئن بالإيمان ، وقد استثناه الله من المؤاخذة في قوله تعالى: { إِلاَّ مَنْ أُكرهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ }106 سورة النحل. الوجه الآخر من الخلط في هذه المسألة أن بعض الناس يفهم حرية الإنسان بأنها علو على المشيئة ، وانفراد بالأمر ، فيتهم القائلين بالحرية بأنهم أشرآوا بالله وجعلوا له أنداداً يأمرون كأمره، ويحكمون كحكمه، وهذا ما فهمته أنت أيضاً .. فقلت بتعدد المشيئات .. وهو فهم خاطئ .. فالحرية الإنسانية لاتعلو على المشيئة الإلهية..
إن الإنسان قد يفعل بحريته ما ينافي الرضا الإلهي ولكنه لا يستطيع أن يفعل ما ينافي المشيئة ..
الله أعطانا الحرية أن نعلو على رضاه "فنعصيه" ، ولكن لم يعط أحداً الحرية في أن يعلو على مشيئته .. وهنا وجه آخر من وجوه نسبية الحرية الإنسانية..

..........البقية أضيفها لاحقا


من كتاب " الإسلام بين الشرق والغرب" للرئيس البوسني الراحل علي عزت بيكوفيتش
تقديم للكتاب:
........كتاب "الإسلام بين الشرق والغرب" ليس كتاب لاهوت، وإنما هو كتاب يتناول عقائد الإسلام ومؤسساته وتعاليمه، بقصد اكتشاف موقع الإسلام في إطار الفكر العالمي. إنه ليس نظرة للإسلام من الداخل، وإنما على الأرجح نظرة من الخارج. بهذا المعنى، فإن موضوع الكتاب ليس في أساسه عن الإسلام كمعلم، بل عن الإسلام كنظرة على العالم.
يشتمل الكتاب على قسمين رئيسيين، يحمل القسم الأول عنوان: المقدمات، ويتناول موضوع الدين بصفة عامة، أما القسم الثاني من الكتاب فإنه مخصص للإسلام، أو بدقة أكثر لواحدة من خصائص الإسلام وأعني بها "الثنائية".
المقدمات، هي في الحقيقة مناقشة للإلحاد والمادية. أما الفصول الستة التالية، فإنها تناقش موقف كل من الدين والإلحاد من قضية أصل الإنسان والقضايا الأخرى المتصلة بها. أعني قضية التطور وقضية الخلق، على النحو التالي:
الفصل 1: الخلق والتطور
الفصل 2: الثقافة والحضارة
الفصل 3: ظاهرة الفن
الفصل 4: الأخلاق
الفصل 5: الثقافة والتاريخ
الفصل 6: الدراما و الطوبيا.
......إن الإنسان بصفة أساسية هو عنصر روحي وليس عنصرا بيولوجيا أو اجتماعيا، ولا يمكن أن يوجد إلا بفعل الخلق الإلهي. ومن ثم، فإذا لم يكن هنالك إله فلن يوجد إنسان، وإذا لم يوجد إنسان فلن توجد ثقافة، إنما فقط الحاجات وما يشبع هذه الحاجات، بمعنى آخر حضارة فحسب.
إن الإلحاد يقر العلم والتقدم بينما ينطوي في جوهره على إنكار للإنسان، وللسبب نفسه ينكر الإنسانية والحرية وحقوق الإنسان. إن التناقض بين الثقافة والحضارة يقوم في الواقع على تعارض أساسي بين الضمير والعقل، بين الوجود والطبيعة، أو على المستوى العملي بين الدين والعلم.
كل ثقافة مؤمنة في جوهرها، وكل حضارة ملحدة. وقياسا على ذلك، فإن العلم بينما لا يؤدي إلى الإنسانية وليس بينه وبين الثقافة، من حيث المبدأ، شيء مشترك، فإن الدين في حد ذاته لا يؤدي إلى التقدم. وبالتوسع في هذا التحليل وتعميقه، فإن القسم الأول من الكتاب يؤكد هذه الازدواجية الشاملة للعالم الإنساني متمثلة في تلك التناقضات المستعصية بين الروح والجسم، بين الدين والعلم، بين الثقافة والحضارة. هذه النظرة إلى العالم تعكس ما يدعى بالمستوى المسيحي لوعي الإنسانية. ........
.......يتبع 

    
و اخترت لكم من الأدبيات مقاطع من كتاب : "أرني الله" لتوفيق الحكيم
       كان في سالف العصر والأوان رجل طيب السريرة صافي الضمير، رزقه الله طفلا ذكي الفؤاد ذلق اللسان...فكانت أمتع لحظاته ساعة يجلس إلى طفله يتحادثان كأنهما صديقان..فيلحظ كأن فارق السن وفاصل الزمن يرتفع بينهما كستارة وهمية من حرير فإذا هما متفقان متفاهمان. لهما عين العلم وعين الجهل بحقائق الوجود وجواهر الأشياء...
نظر الرجل يوما إلى طفله وقال:
-         شكرا لله !...أنت لي نعمة من الله !....
فقال الطفل:
-        أنت يا أبت تتحدث كثيرا عن الله....أرني الله !...
-        ماذا تقول يا بني؟ !....
لفظها الرجل فاغر الفم،ذاهل الفكر، فهذا طلب من الطفل غريب لا يدري بم يجيب عنه...وأطرق مليا...ثم التفت إلى ابنه مرددا كالمخاطب نفسه:
-        تريد أن أريك الله؟....
-        نعم ... أرني الله !...
-        كيف أريك ما لم اره أنا نفسي؟ !...
-        ولماذا يا أبت لم تره؟..
-        لأني لم أفكر في ذلك قبل الآن...
-        وإذا طلبت منك أن تذهب لتراه...ثم تريني إياه؟.....
.....يتبع