من كتاب "سين وجيم في البحث العلمي" لطلعت همام

السؤال: "ماذا تعني الطريقة العلمية في البحث؟ وما هي الأسس التي تقوم عليها؟"

لم تظهر الطريقة العلمية فجأة، ولا كانت ثمرة جهد فرد واحد، وإنما كانت نتيجة جهود استمرت خلال عصور طويلة لكنها ترسخت في مطالع هذا القرن، وأخذ العلماء يحللون خطواتها تحليلا متفحصا ناقدا ويحددون مفاهيمها تحديدا دقيقا.
ويختلف أسلوب التفكير العلمي عن الأسلوب العامي في التفكير في أمور خمسة، هي:

·      أن الإنسان العادي يستعمل كلمتي "نظرية" ومفهوم" استعمالا "مرنا"....أنه يقبل نظريات ومفاهيم لا سند لها من علم أو تجريب...إنه يقول مثلا أن المرض عقاب على الخطيئة وهذا صحيح من ناحية علم الأخلاق، أما العالم فهو يقيم مفاهيمه ونظرياته على أساس من بحث وتدقيق وتجريب ويلتزم معاييرا وقيودا دقيقة ونظامية ومقبولة.
·      إن العالم يختبر نظرياته اختبارا منظما بصورة انتقائية – أن صح التعبير – أنه ينتقي من الدلائل ما يؤكد فرضياته ويهمل ما يتعارض معها. إن العامي الذي يعتد أن "أحلامه لا تخطئ" يسوق أمامك عددا من أحلامه التي تحققت ويتناسى عددا آخر منها لم يتحقق، ولذلك فإن العالم الحقيقي يحتاط من هذه النزعة الانتقائية ويعمل على الاعتماد الدائم على التجريب والاختبار.
·     أن العالم يحرص على ضبط العوامل على ضبط العوامل التي تسبب ظاهرة ما وهو يثبت جميع العوامل ويحرك عاملا واحدا ويرى نتائجه في المتحولات، وهو يغير في العوامل التي يضبطها حتى يتأكد من أنه ضبط عوامله ضبطا يبرر قيام الصلة السببية بين أمر وآخر. أما العامي فغير حريص على الضبط وهو ينتقي العوامل التي توافق أهواءه ويعتبرها أسبابا.
·      أنه يكفي بالنسبة للإنسان العامي أن تتلازم صفتان أو أن تقعا معا ليجعل من الواحدة سببا للأخرى، أما العالم فلا يتنازل عن التدقيق والتأكد من هذه الصلة السببية بوسائل علمية وطرائق بحث منهجية.. وفي مسألة الثواب والعقاب مثلا نجد أن العلماء حين أثبتوا وجود صلة سببية بين التعزيز الايجابي (العقاب) والانجاز عمدوا إلى تجارب مخبرية أجروها على الفئران وعلى الأطفال وأثبتوا وجود صلة كمية بين الثواب والإنجاز تزيد على مثيلتها بين العقاب والثواب.  
وأن العالم - بخلاف الإنسان العامي - حين يحاول تفسير الصلات بين الحادثات الملحوظة يستبعد التغيرات الغيبية التي لا يمكن التأكد منها بالتجريب، والعلم لا يكون إلا تجريبا.
.......يتبع لاحقا.