صفحات من الفلسفة لأولي الالباب

اخترت لكم من كتاب " الإدراك الحسي عند ابن سينا/ بحث في علم النفس عند العرب"

       عندما شرعت في كتابة مقال عنوانه " في اتجاه فلسفي" يتضمن عرضا أدبيا وفلسفيا للعقل والقلب والروح في الانسان، انتبهت الى ضرورة الالمام علميا بماهية كل منها مع تحديد المفاهيم. واتجهت عندها  للبحث في مجموعة الكتب الفلسفية الموجودة بمكتبتي الصغيرة المتواضعة لعلي أجد ضالتي. 
وكان في الكتاب الذي أشرت اليه آنفا ما طلبته. لقد عرض فيه الكاتب تحليلات وافية للشيخ ابن سينا حول الوظائف النفسية والعقلية أردت نقل فقرات منها هاهنا للإفادة.

       * تقسيم الوظائف النفسية عند ابن سينا:

      "....يتبع ابن سينا في دراسته النفسية المنهج التحليلي  Méthode Analytique، فيحلل الوظائف النفسية تحليلا دقيقا، ويصنفها تصنيفا شاملا، يستقصي فيه جميع اقسامها المختلفة.
ويتبع ايضا المنهج التركيبي  Méthode Synthétique   فيدرس الوظائف النفسية في ترتيب متصاعد من أبسطها وأدناها إلى الفطرة، إلى أكثرها نموا وكمالا وهو يحاول في هذا الترتيب أن يبين تدرجها فيما بينها تدرجا خاصا متجها من الأبسط إلى الأكمل، بحيث توجد الوظائف الدنيا في العليا و تكون في خدمتها، وبحيث يتضمن وجود الوظائف العليا وجود الوظائف الدنيا، ويكون للعليا عليها سلطة الرياسة."

أ - تقسيم ابن سينا للوظائف النفسية

 يقسم ابن سينا الوظائف النفسية تقسيما أوليا إلى ثلاثة أقسام هي:

1 - وظائف يشترك فيها الحيوان والنبات كالتغذي والنمو والتوليد.
2- وظائف يشترك فيها الحيوان ولا حظ فيها للنبات مثل الاحساس والتخيل والحركة الارادية.
3- وظائف تخص الانسان وحده وهي وظائف العقل.

وكل قسم من هذه الوظائف يصدر عن قوة خاصة. فالقوة التي تصدر عنها وظائف القسم الأول تسمى نفسا نباتية. وهي كمال أول لجسم طبيعي آلي من حيث يتولد وينمو ويتغذى. والقوة التي تصدر عنها وظائف القسم الثاني تسمى نفسا حيولنية. وهي كمال أول لجسم طبيعي آلي من حيث يدرك الجزئيات ويتحرك بالإرادة. والقوة التي تصدر عنها وظائف القسم الثالث تسمى نفسا انسانية. وهي كمال أولجسم طبيعي آلي من حيث يفعل الأفعال الكائنة بالاختيار الفكري والاستنباط بالرأي ومن حيث يدرك الأمور الكلية.

والمتقدم من هذه النفوس الثلاث يوجد في التالي، بحيث ان نفس الحيوان تشمل أيضا النفس النباتية، وان نفس الانسان تشمل أيضا النفس النباتية والحيوانية. وكما قال أرسطو من قبل: " المتقدم موجود بالقوة دائما في التالي، سواء ذلك في الأشكال ان في الكائنات الحية. فمثلا المثلث موجود في المربع، والنفس الغاذية في النفس الحاسة". فهده النفوس الثلاث في الانسان نفس واحدة ذات قوى مختلفة ووظائف متباينة.

و تتشعب من هذا التقسيم الأولي تقسيمات أخرى فرعية إذا ما درسنا وظائف كل نفس من هذه النفوس الثلاث على حدة دراسة مفصلة.....

وللنفس الحيوانية بالقسمة الأولى قوتان: قوة مدركة وقوة محركة. والقوة المدركة تنقسم الى قسمين:
1- قوى تدرك من خارج وهي الحواس الخمس الظاهرة. وهي تدرك صور المحسوسات الخارجية.
2- قوى تدرك من داخل وهي الحواس الخمس الباطنة: الحس المشترك والمصورة والمتخيلة والوهم والذاكرة.
وبعض الحواس الباطنة يدرك صور المحسوسات التي تدركها الحواس الظاهرة، وبعضها يدرك معاني في المحسوسات لا تدركها الحواس الظاهرة. والفرق بين إدراك الصورة وإدراك المعنى هو أن الصورة يدركها الحس الظاهر والباطن معا، لكن الحس الظاهر يدركها اولا ثم يؤديها الى الحس الباطن، مثل إدراك الشاة صورة الذئب وشكله ولونه. أما المعنى فيدركه الحس الباطن من المحسوس الخارجي من غير أن يدركه الحس، مثل إدراك الشاة العداوة في الذئب، وهو المعنى الموجب لخوفها منه.

وللقوة المحركة أيضا قسمان:
.....

.......يتبع
                                                                                 
                                                                *****************************                                                  

كيف انتقلت الفلسفة اليونانية إلى المسلمين

فقرات نقلتها لكم من كتاب: "الفكر الفلسفي في الإسلام "(المقدمات -علم الكلام - الفلسفة الاسلامية)

        يتعين علينا إذن أن نجلو الصورة التي انتهى بها تراث اليونان إلى المسلمين: نحن نعرف أن المدارس في العصر الهلليني - بعد ارسطو - عكفت على شرح نصوص افلاطون وأرسطو والتعليق عليها، بل ونسبت آراء مزعومة إلى الفيلسوفين الكبيرين وحاكت حولهما وحول سقراط والسابقين أشتاتا من القصص والأساطير الخرافية، ونجد صورة لذلك كله في كتاب "ديوجين اللاثرسي" عن حياة الفلاسفة وآرائهم، وفي مؤلفات أخرى كثيرة نقلت عنه، وقد ظهرت فيها على وجه العموم نزعة تلفيقية واضحة نجد اكتمالها في صورة "مذهب" عند أفلوطين السكندري ثم نجد مدرسة أفلوطين تتفرع إلى مدرستين، واحدة في أثينا بزعامة "ابرقلس"، والثانية في الشام بزعامة "ياميليخوس". و تواجه المدرسة الأولى نهايتها في اثينا على يد "جيستنيان" في أوائل القرن السادس الميلادي فيفر فلاسفتها إلى جنديسابور حيث يستضيفهم كسرى وهناك يعكفون على نقل التراث اليوناني إلى اللغة الفارسية.

       أما الفرع الثاني، فيستمر فلاسفته في إكمال سلسلة الأفلاطونية المحدثة بعد أن اعتنقوا المسيحية، واختص السريان بنقل التراث اليوناني إلى السريانية. وحينما طلب المأمون نقل كتب الفلسفة بعد حلم يقال أنه رأى فيه أرسطو وكأنه يحفزه فيه إلى أن ينقل كتب الفلسفة إلى العربية، أو بدافع من نشأته العقلية وانتسابه لحركة الاعتزال وما صاحبها على عهده من محن بسبب مشكلة خلق القرآن.

لم يجد المأمون حوله غير السريان وفي جملتهم حنين بن إسحاق وقسطا بن لوقا البعلبكي وغيرهم ممن حذقوا اليونانية والسريانية والعربية. فكان النقل أولا من السريانية إلى العربية ثم اتجه النقلة بعد ذلك إلى الترجمة من اليونانية إلى العربية مباشرة.

........

الشيخ ابن سينا

" نزلت إليك من المحل الأرفع .....................ورقاء ذات تعزز وتمنع"
من كتاب:  " تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام" المقدمات – علم الكلام – الفلسفة الإسلامية
للدكتور محمد علي أبو ريان
دار النهضة العربية – بيروت – لبنان – 1970

حياة ابن سينا وشخصيته
ولد ابن سينا في قرية "أفنشة" على مقربة من بخارى عام 370 هجرية الموافق 980ميلادية. وهو أبو الحسن بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا الملقب بـ"الشيخ الرئيس". وكان أبوه من بلدة بلخ وقد استقر به المقام في بلدة بخارى واشتغل فيها بالصرافة.....
ويمكن أن تقسم حياة ابن سينا إلى مرحلتين: مرحلة التحصيل ومرحلة الإنتاج العلمي.
-        أما المرحلة الأولى فنجد ابن سينا خلالها يستظهر القرآن ويدرس العلوم الدينية والشرعية وعلم النجوم على طريقة أهل العصر...وكان سنه إذ ذاك لا يتجاوز العاشرة. ثم نراه بعد ذلك يقبل على دراسة المنطق والرياضيات والطبيعيات وعلوم ما بعد الطبيعة وغيرها.
وقد ذكرت المراجع التي تتناول سيرته أنه تلقى فن الطب عن عيسى بن يحيى الطبيب المسيحي ولم تلبث شهرته أن ذاعت كطبيب ولم يكد يبلغ السادسة عشر فتوافد عليه الأطباء من كل حدب ليأخذوا عنه ويسترشدوا بأساليبه في معالجة الأمراض. ولما ناهز السابعة عشر من عمره استدعاه نوح ابن منصور سلطان بخارى لمعالجته، فنجح ابن سينا في علاجه وشفي السلطان من مرضه العضال وكانت مكافئته له أن فتح له أبواب مكتبته. فأقبل ابن سينا في نهم على قراءة ما تحتويه من كتب نادرة وحينما احترقت هذه المكتبة قيل أنه هو الذي أحرقها حتى لا يطلع أحد غيره على ما تشتمل عليه من نفائس الكتب.
وفيما يختص بالفلسفة، نجد ابن سينا يكرس سنتين من سنوات دراسته الأولى لتفهم مشاكل الفلسفة فيكمل دراسته للعلوم الطبيعية والمنطقية والرياضية مواصلا العمل في النهار والدراسة في الليل. وكان يرى حلول المشاكل المستعصية في أحلامه أثناء النوم.
و يذكر الشيخ الرئيس عن نفسه أثناء فترة تحصيله للفلسفة أنه قرأ كتاب "ما بعد الطبيعة" لأرسطو أربعين مرة ومع ذلك لم يفهمه ولكنه حينما وقع على يديه مصادفة كتاب الفارابي في "أغراض ما بعد الطبيعة " أوضح له ما كان مستغلقا عليه. ....
-        أما المرحلة الثانية من حياته وهي مرحلة الإنتاج العلمي، فإنها تبدأ بعد سن الواحدة والعشرين.
ولم يكن من السهل على رجل من غير طراز ابن سينا أن يعكف على التأليف والكتابة في عصر تتنازعه الخلافات السياسية والمذهبية، فضلا عن أنه هو نفسه قد شارك في هذه الأحداث، وكان ذيوع صيته كطبيب كفيلا بأن يقضي على ما يمكن أن يدخره من وقت للكتابة ولكنه استطاع وسط هذا الجو المتأزم أن يختزل ساعات طويلة لتحرير ما أنتج من آثار في عصر فتن واضطرابات هو العصر العباسي الثاني الذي تمزقت فيه دولة الخلافة الإسلامية إلى دويلات شبه مستقلة يحارب بعضها بعضا .......
لم تكن حياة ابن سينا إذن – على ما رأينا – تسمح بالهدوء الذي يجب أن يتوفر لمفكر مثله؛ فقد كانت حياته على النقيض من حياة الفارابي. فنرى ابن سينا يقبل بنهم على الدراسة والتأليف وهو في غمار حياة يغشاها العمل المستمر في ميدان الطب والسياسة فضلا عما عرف عنه من إقبال شره على اللهو والمتعة الجسدية، مما كان له أسوأ الأثر على صحته فأصيب بداء "القولنج" وتوفي به سنة 428 هجرية – 1038 ميلادية وكان له من العمر ثمانية وخمسون عاما ودفن في همذان.

من أهم مؤلفاته

-        كتاب الشفاء:
وينقسم هذا الكتاب إلى أربعة أقسام: المنطق، الطبيعيات، الرياضيات/ الإلهيات. وهو في ثمانية عشر مجلدا.
-        كتاب النجاة:
وهو مختصر "الشفاء" وقد طبع في روما مع كتاب "القانون في الطب" سنة 1593 ميلادية وطبع كذلك في مصر.
-        كتاب الاشارات والتنبيهات:
وهو يلخص أبواب المنطق في عشرة مناهج ومسائل الحكمة في عشرة أنماط. وهذا الكتاب هو آخر  صنفه ابن سينا في الحكمة. ويلاحظ أن الأنماط الأخيرة في هذا الكتاب تتضمن موقف ابن سينا الصوفي.
-        كتاب الحكمة المشرقية:
لم يصلنا من هذا الكتاب سوى المنطق. واعتقد الكثيرون أنه كتاب في التصوف، وتعرض المستشرق "نللينو" لهذا الرأي وذهب إلى أن الكتاب خاص بفلسفة الشرقيين في مقابل فلسفة الغربيين......
-        كتاب القانون في الطب:
ينقسم هذا الكتاب إلى خمسة أجزاء و به عدد كبير من المقالات والفصول وقد ترجم إلى اللاتينية وطبع في أوربا سنة 1593، كما طبع في الهند وفي بلاد أخرى. وظلت جامعات أوربا تتدارسه حتى أواخر القرن السابع عشر الميلادي.  
مذهب ابن سينا
لم يكن ابن سينا صاحب مذهب جديد كما توهم بعض المؤرخين ولكنه كان خير معبر عن حركة التلفيق الفلسفي التي اتسمت بها الفلسفة الإسلامية منذ نشأتها. وإذا جاز لنا أن نفرق بين مذهب رسمي لابن سينا ومذهب حقيقي له، فإن المذهب الرسمي هو المذهب "المشائي"القائم على الخلط بين أرسطو وأفلاطون من خلال "التاسوعات" و"آثار الشراح". ولم يكن ابن سينا في هذا المجال سوى المعلم الذي يعرض الآراء ويلخصها بطريقة أدعى إلى الفهم وحسن الاستيعاب. وإذن فمجهوده ينصب على حسن الصياغة ولا يمتد أثره إلى المضمون.
فقد كان الفارابي - كما ذكرنا – هو الذي رسم الشكل العام للبناء الفلسفي عند المسلمين وتعرض لمشكلة العقل والوحي وما يتصل بهما وبذلك أوضح معالم الطريق للفكر الفلسفي الإسلامي.....
......يتبع