الأربعاء، 11 مايو 2011

مقتطفات للنقاش من كتب ومقالات

هل نقول وداعا لثقافة القراءة؟

د.أحمد أبو زيد (من كتاب "مستقبليات" مجموعة مقالات لنفس الكاتب بمجلة "العربي"- افريل 2010)
                                     
                                        
لماذا تنصرف الأجيال الجديدة عن القراءة، على الرغم من كل ما تنفقه الدول على مشاريع نشر عادة القراءة بين مختلف فئات العمر؟ ومتى بدأ التشاؤم حول ثقافة مستقبل القراءة؟ والى أين ينتهي؟....
.....المسالة هنا ليست مسالة عدد الأفراد الذين يقبلون على القراءة أو ينصرفون عنها بقدر ما هي ميالة تغير النظرة إلى القراءة كمكون أساسي في النسق الثقافي العام الذي يعطي المجتمع شخصيته المميزة، بحيث يمكن وصفه بأنه مجتمع قارئ. يعتبر القراءة عاملا جوهريا في تحقيق ذاته وتحديد ملامحه. وتكون الكتابة اختراعا حديثا نسبيا في تاريخ الجنسي البشري. وان القراءة لم تصبح ظاهرة مميزة للمجتمعات المتقدمة وهدفا مطلوبا لذاته إلا منذ أجيال معدودة فقط، ولكن تحقيق ذلك الهدف أمر صعب للغاية، ويتطلب بذل كثير من الجهد والمثابرة والوعي لدرجة انه لا تزال هناك مجتمعات كثيرة تفتقر إلى وجودها كظاهرة ثقافية واجتماعية راسخة.
ومع ذلك فان القراءة – على ما يقول دان سبربر  Dan SPERBER - ظاهرة وجدت لكي تستمر وتبقى بالرغم من الصعوبات التي تواجهها، وان المردود الاجتماعي والإنساني بل والاقتصادي يبرر كل ما يبذل في تحقيقها من مال وجهد ووقت، وذلك على الرغم من كل الشكوك التي تثور الآن حول مصيرها ومستقبلها في ظل المتغيرات الحديثة. واعتقاد الكثيرين أنها تكاد تصبح من مخلفات الماضي، وانه سوف يأتي اليوم الذي يعكف فيه الانثروبولوجيون  على دراسة الكتب كأحد الرواسب التي تشير إلى ثقافة بائدة في تاريخ التطور البشري وذلك حين ينجح (المتبربرون) المحدثون في الاستيلاء على المكتبات وتحويلها إلى مراكز للمعلومات على ما يقول جورج كور  George COREفي مقال طريف عن "الدوريات ومستقبل القراءة، نشره في مجلة "فرجينيا ريفيو " (صيف 2003).
والواقع أن نبرة التشاؤم حول مستقبل ثقافة القراءة كانت بدأت ترتفع منذ عقود كثيرة بحيث نجد على سبيل المثال أن كاتبة روائية في حجم "فرجينيا وولف" في مقال لها  بعنوان
  How Should one Read a Book نشرته في مجلة عام 1926، " إنه لن يثير دهشتنا بحال أن نكتشف يوم الحساب في العالم الآخر الذي تهتك فيك الأسرار وتنقشع فيه الغيوم عن الأمور الغامضة أن الدافع الحقيقي وراء خروج الإنسان وراء خروج الإنسان من سكن الكهوف ونبذه القوس والسهم وجلوسه للتسامر حول النار وتشييده للبيوت والمجتمعات على الأرض الخراب في كل أنحاء العالم لم يكن سوى الوصول إلى القراءة."
 والإنسان القارئ في رأيها هو الشخص الذي يلتهم كل ما يقع تحت يده من مادة مطبوعة سواء أكانت على غلاف علبة الغذاء أو تذكرة الأوتوبيس أو في صفحات المجلات والكتب و لكن يبدو أن هذا كله في سبيله إلى التراجع، وان ذلك قد يؤدي إلى اختفاء الإنسان المثقف العام.
وما قالته فرجينيا وولف منذ ما يزيد على ثلاثة أرباع القرن، لا يزال يجد له صدى في الكتابات المعاصرة مع ازدياد حدة نبرة التشاؤم. ولقد كان الحرص على اقتناء الكتب في وقت من الأوقات مظهرا من مظاهر الرقي الذهني والاجتماعي ومثارا للزهو والفخر والتباهي   و بخاصة بين العائلات العريقة في كثير من الدول ولا يزال الأمر كذلك إلى حد كبير على الرغم من شحوب المناخ الثقافي الذي كان يسود في تلك العقود.
والمسؤول الرئيسي عن الوضع الحالي هو (الشاشة) سواء أكانت هي شاشة التلفزيون أم شاشة الكمبيوتر أم الشاشة الفضية (السينما).
ويزداد الوضع خطورة في المجتمعات الفقيرة المتخلفة التي تكاد تكون محرومة تماما من وجود أي نظام متماسك للتعليم الصحيح وتفتقر في الوقت ذاته إلى وجود المادة الكافية من النصوص المطبوعة التي تدعو إلى القراءة وذلك على افتراض وجود أعداد مناسبة من المتعلمين الذين تتوافر لديهم الرغبة والقدرة والإرادة للقراءة الحرة البعيدة عن احتياجات الحياة اليومية أو متطلبات العمل الرسمي.
وللكاتب الروائي النيجيري صاحب جائزة نوبل "وول سوينكا"   Wolle SOYINKA  عبارة دقيقة ذات دلالات بعيدة ومغزى عميق يقول فيها انه ينتمي إلى جيل ضائع لأنه جيل يعتقد انه كتب كثيرا ولكنه لا يجد له ما يكفي من القراء. ولقد شهد القرن العشرون جهودا جبارة متواصلة لنشر ثقافة القراءة في كل أنحاء العالم.
(من الصفحة 91 اللى الصفحة 95)
........  
* السؤال المطروح للنقاش: 

          كيف يرى كل منكم  وضع القراءة في مجتمعه أو محيطه؟ وما هو تصوره للطرق الفعالة المحفزة للعودة بالافراد الى الرغبة في القراءة؟ وهل تعتبر الوضعية المادية للفرد مانعا فعليا يحول دون هذا؟

                              ******************

سر العظمة

من كتاب "تحت شمس الفكر" لتوفيق الحكيم

                                             
ينبغي لمن أراد أن يعلم عظمة "محمد" أن يتخيل رجلا وحيدا فقيرا !!تمكنت من قلبه عقيدة، فنظر حوله فإذا الناس كلهم في جانب وإذا هو بمفرده في جانب...هو وحده الذي يدين بدين جديد بينما الدنيا كلها: أهله وعشيرته، وبلده وأمته، والفرس والروم والهند والصين وكل شعوب الأرض، - لا يرون ما يرى، ولا يشعرون له بوجود ...هذا موقف النبي، وهذا موقف العالم.
رجل عاطل من كل قوة وسلاح، إلا مضاء العزيمة وصلابة الإيمان أمام عالم تدعمه قوة العدد والعدة، وتؤازره حرارة عقيدة قديمة شب عليها وورثها عن أسلافه، واتخذت لها في قرارة نفسه وأعماق تاريخية جذورا ليس من السهل اقتلاعها على أول قادم. فالنبي هو ذلك القادم الذي يريد أن يقتلع تلك الجذور، ويضع مكانها غرسا جديدا، والعلم القديم هو ذلك السادن القوي لتلك الشجرة العتيدة، يذود عنها، وتأبى كرامته أن يفرط في ورقة منها !..
إذن هنالك ((مبارزة)) بين فرد أعزل، وبين عصر بأسره يزمجر غضبا، عصر زاخر بأسلحته ورجاله، وعقائده وفقهائه وعلمائه ومشاهيره، وتقاليده وماضيه ومجده وتاريخه...هذه المبارزة الهائلة العجيبة، من يستطيع أن يقدم عليها غير نبي؟ !...على أن المعجزة بعد ذلك ليست في مجرد التحدي، ورمي ((القفاز)) وارتفاع ذلك الصوت الضعيف على شاطئ ذلك البحر الطامي العجاج: ((أن أترك أيها العالم دينك القديم واتبعني !..))
ذلك الصوت لا جواب عليه إلا سخرية طويلة وقهقهة عريضة، وليست المعجزة كذلك في مجرد شفاء الأصم وإبراء الأعمى، وإنما المعجزة حقيقة هي أن يخرج هذا الرجل الوحيد الأعزل من هذه المعركة المخيفة ظافرا منتصرا، فإذا هذا العالم العتيد كله يجثو عند قدميه منكس الأسلحة، وقد انقلبت سخريته خشوعا طويلا، وقهقهته صلاة عميقة !...
كيف ربح هذا الرجل الموقعة؟...ما وسائله؟...هل كانت له خطط وأساليب وقوة من شخصه مكنته من النصر؟...أو أن الله هو الذي نصره، دون أن يكون لشخصية النبي دخل في الانتصار؟...عقيدتي دائما أن شخصية النبي لها اثر كبير !!..
وهذا معنى الاصطفاء، فالله يختار من بين البشر عظيما له كاهل قوي يحتمل عبء الرسالة. ويوحي إليه بالعقيدة ثم يتركه يجاهد في سبيلها، فالنبي ليس آلة تحركها يد الله في كل خطوة، إنما هو رسول عهد إليه تبليغ دين، والعمل على إذاعته بين الناس بالوسائل التي يراها الرسول كفيلة ببلوغ الغاية، فالله لا يريد نشر الأديان للبشر إلا بالوسائل البشرية...انه لا يتدخل بقدرته العلوية، فيفرض الدين فرضا على الناس كما تفرض عليهم الزوابع والأمطار ولكنه يحب دائما أن يخلي بين ((الدين)) وبين ((الناس))، حتى يتغلغل الدين من تلقاء نفسه في نفوسهم بجمال نوره وحده، ولكن أعين الناس لا ترى كل الأحيان، فهم يعيشون في أعماق ماضيهم كالأسماك العمياء في أغوار المحيطات !..

...يتبع

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق